على مدى سنوات، رددت واشنطن وتل أبيب لازمة واحدة كأنها عقيدة: يجب على حماس أن تنزع سلاحها، أن تحل نفسها، وأن تغادر غزة بهدوء. يعرض هذا الشرط كأنه قانون أمني صارم لا يقبل النقاش. لكن كما يكتب جاسم العزاوي، تبدو الفكرة ساذجة لمن قرأ كتب التاريخ أو تحدث مع مقاتل في حرب تحررية. المنطق هش ومكرر: إذا سلمت حماس سلاحها، سيأتي السلام تلقائيًا. لكن الواقع يكشف العكس؛ السبب الجوهري وراء التحدي الأمني الأكبر الذي تواجهه إسرائيل منذ عقود هو أن حماس رفضت تسليم أوراق قوتها مقابل وعود جوفاء بلا ضمان لدولة أو سيادة أو أمان.

يؤكد ميدل إيست مونيتور أن هذا المطلب يتجاهل درسًا تاريخيًا قاسيًا. المثال الأوضح هو غرناطة عام 1492، حين استسلم آخر معاقل المسلمين للملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا. نصت معاهدة غرناطة على ثمانين صفحة من الوعود بحماية الأرواح والممتلكات والحرية والدين. خلال عامين فقط، ألغى مرسوم بابوي الالتزامات، وبدأت حملات التنصير القسري ثم محاكم التفتيش والنفي. هكذا انتهت تجربة شعب وضع مصيره في يد خصم أقوى. من منظور حماس، الطلب الأمريكي الإسرائيلي ليس دعوة إلى سلام بل نسخة حديثة من غرناطة، حيث يؤدي التخلي عن السلاح إلى محو الوجود السياسي بلا رجعة.

على النقيض، تعلم الفيتكونج درسًا مغايرًا. خلال مفاوضات باريس عرضت واشنطن الاعتراف السياسي مقابل ترك السلاح، لكنهم رفضوا. تمسكوا بحرب العصابات، فأفشلوا التفوق العسكري الأمريكي وحققوا أول هزيمة ميدانية في تاريخ الولايات المتحدة. أدركت هانوي أن السلاح في الحرب غير المتكافئة ليس رفاهية بل شرط للبقاء. عبر بنادقهم فرضوا التكاليف على المحتل وأجبروا العالم على الاعتراف. بالنسبة لحماس، تبدو المقارنة صارخة: جناحها العسكري مصدر قوتها الأساسي، والورقة الوحيدة التي تجعل خصومها يتعاملون معها بجدية.

الاستثناء الوحيد في التاريخ الحديث جاء مع الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت (IRA)، لكنه لم يكن استسلامًا أعمى. السلاح وُضع جانبًا فقط بعد أن ضمن جناحه السياسي "شين فين" مقاعد في الحكم، وبعد الإفراج عن المعتقلين وتثبيت دور سياسي فعلي. نزع السلاح لم يكن شرطًا مسبقًا للسلام، بل نتيجة لانتصار سياسي. جرى التفاوض من موقع قوة نسبية، لا من حالة ضعف مطلق.

بالنسبة لحماس، الحسابات باردة ومرتكزة على التاريخ. التخلي عن السلاح من دون سيادة واستقلال وضمانات دولية صلبة ليس إشارة إلى سلام بل فعل انتحار استراتيجي. يصر الإسرائيليون والأمريكيون على تصوير الحركة كجماعة متهورة يسهل خداعها، لكن قادتها قرأوا دروس غرناطة واستوعبوا تكتيكات فيتنام، ويعرفون أن الجيش الجمهوري الإيرلندي لم يسلّم سلاحه إلا بعد أن قبض ثمنًا سياسيًا.

رفض نزع السلاح يعكس نضجًا سياسيًا أكثر منه تعنتًا أيديولوجيًا. هو وعي بأن ميزان القوة يحكم كل شيء، وأن السلاح أداة للبقاء لا عبء. مطالبة حماس بدولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس ترد مباشرة على مطلب نزع السلاح. من دون جناح عسكري، تفقد الحركة كل أوراق الضغط لتحقيق هذا الهدف.

هكذا تتحول القضية إلى اختبار واقعي: هل تقبل حماس أن تكون غرناطة جديدة، أو تختار طريق فيتنام، أو تنتظر صفقة كإيرلندا حيث يأتي نزع السلاح بعد انتزاع مكاسب سياسية ملموسة؟ في كل الحالات، يظل السلاح في نظرها شرطًا لوجودها واستمرارها، لا رمزًا لرفضها التفاوض.

لهذا تبدو أوهام واشنطن وتل أبيب عن "حماس بلا سلاح" مجرد فانتازيا دبلوماسية. فالحركة قد تكون قاسية ومطوقة، لكنها ليست ساذجة. تاريخ الشعوب التي خاضت حروب التحرر حاضر في حساباتها، وقراءة الماضي تجعلها ترفض تسليم المستقبل على طبق من وعود.

https://www.middleeastmonitor.com/20250926-washingtons-favorite-delusion-hamas-without-weapons/